لم يُحسم ملف الانتخابات البرلمانية الإيرانية بشكل نهائي بعد أن توجهت بعض الدوائر الانتخابية إلى جولة ثانية، نظرا إلى عدم حسم مرشحين بعينهم لتلك الدوائر، لكن هذه الانتخابات حتى الآن حملت نتائج مقلقة بالنسبة لرجال الدين الذين يحكمون إيران.
إن تسجيل أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الإيرانية ليس بالأمر الهين الذي يمكن المرور منه مرور الكرام.
وعلى الرغم من محاولة الأجهزة الإعلامية التابعة للنظام الإيراني التقليل من حجم الفضيحة التي حلت بالنظام، وفشل العملية الانتخابية أو مزاعمهم الوقحة في وصف هذه الانتخابات بأنها "فتح الفتوح"، إلا أن الحقيقة التي لا تقبل المراء هي أن الانتخابات جلبت فضيحة مدوية للمرشد علي خامنئي.
وخامنئي الذي كان في خطبه القديمة " يُحَقِّر" بعض الدول بسبب نسبة المشاركة في الانتخابات فيها بمعدل 35 إلى 40 في المائة، ويصفها بأنها "فضيحة وعار" يلتزم الصمت الآن، في وقت يجب أن يشعر فيه بالعار بعد أن قال المواطنون كلمة "لا" في وجه دعواته الحثيثة للمشاركة في الانتخابات.
كما تجلى هذا الرفض في تسجيل العديد من الدوائر الانتخابية نسبة عالية من الأصوات الباطلة، حيث تحولت هذه الأصوات إلى منافس رئيس ضد بعض المرشحين الذين خاضوا الانتخابات بفضل تزكية مجلس الدستور لهم!
وإذا ما حذفنا الأصوات الباطلة من نسبة المشاركة التي أعلنت عنها السلطات الإيرانية والتي تناهز 40 في المائة فقط، فإن أبعاد مقاطعة الانتخابات تتجلى لنا بشكل أكبر وأكثر وضوحا، وينكشف لنا مدى الاستياء في الشارع الإيراني.
ونظرا إلى امتناع السلطات حتى الآن نشر تفاصيل وإحصاءات الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء، لا يمكن تقديم تحليل دقيق ومفصل، لكن وبشكل عام يمكن اعتبار هذه الانتخابات بأنها نموذج مكتمل الأركان للابتذال الانتخابي في نظام الجمهورية الإسلامية، الذي يجري مثل هذه الانتخابات لا لكي يشارك الناس في تقرير مصيرهم وإنما من أجل أن يُجَمِّل صورته، ويدعي أنه يتمتع بشعبية ودعم جماهيري.
والآن وبعد هذه الانتخابات أصبح من العسير على النظام الاستفادة من الأداة الانتخابية لتجميل صورته.
إن معظم الإيرانيين، وفي ظل فشل النظام وزيادة الوعي، أصبحوا غير مستعدين للمشاركة في مثل هذه المسرحيات الانتخابية التي يرعاها النظام، مسرحيات لم يقبل أن يشارك فيها حتى الرئيس الأسبق لإيران محمد خاتمي، ناهيك عن الشعب الإيراني الذي لم ينل طوال سنوات ما بعد الثورة غير البؤس والموت والمعاناة.
انطلاقا من هذا أراد الإيرانيون من مقاطعة الانتخابات أن يوصلوا رسالة مهمة للمرشد علي خامنئي والنظام برمته، وهي: "إنكم ربما نجحتم حتى الآن في إفراغ الشوارع من المتظاهرين بفعل القمع والقتل والإعدامات والسجون، لكن المقاومة المدنية الذكية من قبل الشعب لا تزال باقية، ودليل ذلك صناديق الاقتراع الفارغة!"