أعلنت سارة حسين، رئيسة فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة، أن الفريق وجد مسؤولين في النظام الإيراني ضالعين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المتعلقة بالاحتجاجات التي بدأت بعد وفاة مهسا أميني، وفي بعض هذه الحالات وصلت الانتهاكات إلى مستوى "الجرائم ضد الإنسانية".
وقالت سارة حسين، يوم الاثنين 18 مارس (آذار)، في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إن هذا الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان، يشمل حالات مثل: القتل غير القانوني، والإعدام غير القانوني، والاستخدام غير الضروري وغير المتناسب للقوة، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والاعتداء الجنسي، والاختفاء القسري.
وأضافت: "تم تنفيذ هذه الأعمال في سياق هجوم واسع النطاق وممنهج ضد النساء والفتيات، وغيرهم من الأشخاص الذين يدعمون حقوق الإنسان. ولذلك فإن بعض هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان قد تطورت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية".
وتابعت رئيسة لجنة تقصي الحقائق أن إيران، مستغلة الحصانة التاريخية والممنهجة، حرمت المجتمع من أي أمل في العدالة والتعويض، ودون محاسبة مرتكبي الجريمة على انتهاكاتهم خلال الاحتجاجات، التي بدأت في 16 سبتمبر (أيلول) 2022، لا يمكن كسر هذه الحلقة المفرغة من الحصانة والإفلات من العقاب.
وقالت حسين: "لذلك، نطلب من الحكومة الإيرانية اتخاذ إجراءات فورية وملموسة لوقف عمليات الإعدام، والإفراج بسرعة عن جميع الذين تم اعتقالهم تعسفياً فيما يتعلق بالاحتجاجات".
انتهاكات حقوق الإنسان من سمات الدستور الإيراني
فيما قال جاويد رحمن، المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران، في جلسة الحوار التفاعلي السنوية التي يعقدها في الجولة الـ55 لاجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إن الإفلات من العقاب وعدم المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يشكل إحدى السمات المهمة والمحزنة للغاية والمتكررة في دستور إيران، وإطارها القانوني، ورؤيتها السياسية.
وقال جاويد رحمن، المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران للعام السادس على التوالي، في هذا الاجتماع إن مهمته كانت بمثابة منصة لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والانتهاكات التي يرتكبها المسؤولون وتقديم تقارير عنها.
وحذر مرة أخرى من عمليات الإعدام في إيران، وقال: "إنني أشعر بقلق عميق إزاء عدد أحكام الإعدام التي صدرت عقب محاكمات تنتهك الإجراءات العادلة والحق في محاكمة عادلة".
وقال رحمن: "لا يزال وضع الأقليات العرقية والدينية مصدر قلق، خاصة وأن عدد عمليات إعدام الأقليات العرقية والدينية مرتفع بشكل غير متناسب، خاصة في جرائم المخدرات أو الجرائم المتعلقة بالأمن".
وشدد المقرر الأممي على أنه "ما زال يشعر بالقلق إزاء المضايقات والترهيب والاستهداف والاعتقال والسجن للمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحافيين والنشطاء النقابيين".
وبينما سيتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بشأن تمديد مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران خلال الأيام المقبلة، أضاف رحمن: "ما زلت آمل أن تظل هذه المهمة صوتا للملايين من الإيرانيين الذين هم هدف لانتهاكات حقوق الإنسان، ويتم انتهاك حقوقهم الأساسية بشكل مستمر مع الإفلات من العقاب".
وفي نهاية فترة ولايته التي استمرت ست سنوات، شكر رحمن أيضًا الشعب الإيراني على "شجاعته وإقدامه ومثابرته، فضلاً عن دعمه الإيرانيين ومشاركتهم الإيجابية في المهمة".
تزايد الإعدامات في أعقاب انتفاضة مهسا أميني
وفي وقت سابق من تقريره الأخير، أعرب جاويد رحمن عن قلقه بشأن زيادة عمليات الإعدام في أعقاب الانتفاضة التي عمت البلاد بعد مقتل مهسا جينا أميني.
في السنوات الماضية، طلب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من خلال التمديد المستمر لمهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران، من طهران السماح لهذا المبعوث الأممي بالوصول إلى الأماكن المطلوبة وتزويده بالمعلومات اللازمة.
ومع ذلك، فإن مسؤولي النظام الإيراني وصفوا دائمًا الموافقة على القرار وتمديد مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران بأنه "إساءة استخدام لمجلس حقوق الإنسان من قبل عدد قليل من الدول".
يذكر أنه منذ عام 2011، قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتعيين "مقرر خاص" لإيران بشكل منتظم، ويتولى جاويد رحمن حاليًا هذه المهمة.
في آلية مجلس حقوق الإنسان، هناك نوعان من "المقررين العامين" و"المقررين الخاصين"، ولا يتم تعيين المقررين الخاصين إلا للبلدان التي تكون فيها حالة حقوق الإنسان غير مقبولة.
وكان المقرر الأول المعني بحقوق الإنسان في إيران هو أحمد شهيد، الذي عمل في هذا المنصب لمدة خمس سنوات.
ومن بعده، تم اختيار عاضمة جهانكير كمقررة خاصة لإيران اعتبارًا من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، لكنها توفيت في مسقط رأسها في لاهور بباكستان، في فبراير (شباط) 2017.
وجاويد رحمن، الذي حل محل عاصمة جهانكير، يبلغ من العمر 52 عامًا، وهو محامٍ باكستاني بريطاني. وهو أيضًا عميد كلية الحقوق بجامعة برونيل في لندن.
وبعد انتخاب المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في عام 2011، لم تسمح إيران لأي من المقررين الخاصين بالسفر إلى إليها، وقالت إنها لا تعترف بمهمتهم.
قبل ذلك، سافر رينالدو غاليندوبل إلى طهران في الثمانينيات وموريس كابيثورن في التسعينيات كمقررين لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
رد فعل إيران والدول الأخرى
وكما كان متوقعا، رد ممثل إيران على تقرير مقرر الأمم المتحدة.
وردا على تقرير جاويد رحمن، قال مندوب إيران في الأمم المتحدة: "هذا التقرير ليس واقعيا ولا مهنيا، ناهيك عن أن يكون عادلاً ومتوازناً إلى حد معقول، ولا يعكس التقدم المستمر الذي تحرزه إيران في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، فضلاً عن التحديات التي تغلبت عليها. إنه أمر أحادي الجانب ومضلل تمامًا".
وأضاف: "أولئك الذين يقفون إلى جانب النظام المحتل لفلسطين ويتجاهلون الإبادة الجماعية في غزة، كيف تأخذون اهتمامهم بحقوق الإنسان على محمل الجد؟ هذا ليس بالأمر المقبول لدى المدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الراعية له."
لكن ممثلي الدول الغربية، بما فيها فرنسا، تحدثوا عن صدور أحكام الإعدام في إيران وقلقهم من زيادتها.
وقال ممثل الولايات المتحدة في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن إيران تواصل قمع الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات الدينية والعرقية. وأعرب عن تعاطفه مع عائلات الإيرانيين الذين فقدوا أحباءهم في عمليات الإعدام والقتل.
وبينما أعرب الممثل الأميركي عن قلقه إزاء تزايد عمليات الإعدام في إيران، أشار أيضا إلى إعدام أربعة سجناء أكراد بالاستناد إلى اعترافات انتزعت منهم تحت الضغط.
وقال الممثل البريطاني أيضًا إن وضع انتهاكات حقوق الإنسان في إيران مثير للاشمئزاز. وأضاف أن إيران أعدمت العام الماضي أكثر من 830 شخصًا، كما أن التمييز بين الأقليات في إيران أمر مقلق للغاية.
ودعا ممثل ألبانيا إلى إجراء تحقيق نزيه وشفاف بشأن انتهاك حقوق الإنسان في إيران، وأعرب عن قلقه إزاء عمليات الإعدام، وخاصة إعدام الأطفال.
وأعرب ممثل بلجيكا عن قلقه إزاء تزايد عمليات الإعدام في إيران، فضلاً عن تنفيذها بتهم "أمنية" وبطريقة غامضة وغير شفافة.
وقال ممثل رومانيا إن حالة حقوق الإنسان في إيران آخذة في التدهور، خاصة مع القوانين الجديدة التي تم إقرارها بشأن الحجاب. وأكد أن عدد عمليات الإعدام في إيران، خاصة إعدام الأطفال، أمر مثير للقلق.
ودعا ممثل كندا إلى إلغاء قانون الحجاب الإجباري، وقال: "إننا نشهد زيادة مذهلة في عمليات الإعدام، بما في ذلك إعدام النساء والفتيات في إيران".
فيما أكد ممثل لوكسمبورغ أن بلاده تشعر بالقلق إزاء استمرار حصانة منتهكي حقوق الإنسان في إيران، وأن القمع المستمر قد يؤدي إلى التمييز بين الجنسين.
وأعرب ممثل إسرائيل في اجتماع الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه بشأن قمع الأقليات العرقية والدينية وتزايد عمليات الإعدام في إيران، وقال: "الطائفة البهائية تتعرض لأكبر قدر من القمع في إيران".
موقف الدول المتحالفة مع طهران
من ناحية أخرى، دعمت الدول المتحالفة مع إيران، مثل روسيا وسوريا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وفنزويلا، سجل طهران في مجال حقوق الإنسان.
وقال ممثل روسيا إن الدول الغربية تنوي زعزعة استقرار إيران، ووصف ممثل سوريا تفاعل إيران مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بأنه "بناء".
كما وصف ممثل كوريا الشمالية تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران بأنه "منحاز"، وقال ممثل فنزويلا إن طهران "تلتزم دائما بقرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
وأعرب ممثل إريتريا عن "تقديره" للتصرفات الإيرانية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة.
وقال ممثل الصين أيضا: "لا يمكننا أن نتجاهل الظروف الثقافية لكل بلد، ونطلب من المجتمع الدولي أن يحترم حقوق استقلال إيران".