كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تقرير لها أنها حصلت على وثائق سرية من جلسة استماع الحرس الثوري الإيراني حول قضية نيكا شاكرمي، الطفلة البالغة من العمر 16 عامًا، والتي تظهر أنها تعرضت لتحرش جنسي من قبل عملاء النظام خلال اعتقالها أثناء الاحتجاجات ثم قتلوها.
وبحسب تقرير "بي بي سي"، فقد تم إعداد هذه الوثيقة بناءً على تصريحات رجال الأمن الثلاثة، ويمكن رؤية أسماء قتلة نيكا وكبار القادة الذين أخفوا حقيقة هذه الجريمة.
وجاء في هذه الوثيقة أن قوة أمنية تحرشت جنسيا بنيكا بالجلوس عليها، وقاومت نيكا وردت بالركل والشتم رغم تقييد يديها.
وبحسب هذه الأدلة، فإن مقاومة نيكا دفعت قوات الأمن إلى مهاجمتها بالهراوات.
وقالت "بي بي سي" إنها أمضت أشهرا في التحقق من صحة الوثيقة من خلال مصادر متعددة. وكانت هذه الوثيقة موجهة إلى القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني.
وقد عثرت عائلة نيكا على جثتها في المشرحة بعد تسعة أيام من اختفائها. وقالت السلطات الإيرانية حينها إن نيكا انتحرت.
وفي تقريرها الأول عن "انتفاضة مهسا"، والذي نُشر في مارس الماضي، أكدت لجنة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة حالات اغتصاب وأشكالا أخرى من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والاغتصاب بالأشياء، والصدمات الكهربائية للأعضاء التناسلية، والتعرية القسرية، ولمس أجساد النساء والفتيات.
وكتبت "بي بي سي" أن نيكا كانت تحت مراقبة قوات الأمن أثناء مشاركتها في مظاهرة "المرأة، الحياة، الحرية" بالقرب من حديقة لاله في طهران مساء يوم 20 سبتمبر 2022.
وبحسب هذه الوثيقة السرية للغاية، فقد عرّف أحد أعضاء "الفريق 12" الذي رصد الاحتجاجات، نيكا بأنها "منسقة" الاحتجاجات بسبب "سلوكها غير الطبيعي ومكالماتها المتكررة على هاتفها الخلوي".
وبعد ذلك، توغل أحد عناصر الأمن بين المحتجين وبعد دراسة الوضع طالب بالقبض على نيكا، إلا أنها لاذت بالفرار.
وقالت خالة نيكا لـ "بي بي سي" الفارسية في وقت سابق إن نيكا اتصلت بأحد أصدقائها وقالت إن بعض الأشخاص يتابعونها.
بعد حوالي ساعة، تم القبض على نيكا ووضعها داخل شاحنة تجميد لا تحمل أي علامات.
كان ثلاثة أعضاء من الفريق 12، وهم أرش كلهر، وصادق منجزي، وبهروز صادقي، مع نيكا في قسم التجميد في هذه الشاحنة.
وكان قائد هذا الفريق، ويدعى مرتضى جليل، يجلس في المقعد الأمامي للشاحنة مع السائق.
وبحسب هذه الوثيقة، تم نقل نيكا إلى معسكر مؤقت للشرطة بعد إلقاء القبض عليها، لكن سعة هذا المكان كانت ممتلئة.
وتم بعد ذلك نقل نيكا إلى أحد مراكز الاحتجاز، لكن قائد المكان رفض قبولها، رغم الاتفاق السابق، لأن نيكا كانت "تشتم وتردد الشعارات باستمرار".
وبحسب تصريح قائد مركز الاحتجاز المذكور في هذه الوثيقة، فإن 14 معتقلة أخرى كن متواجدات أيضاً في هذا المكان، وكان من الممكن أن تؤدي إضافة نيكا إلى "تحفيزهن" وإحداث "الفوضى".
وبعد هذا الحدث، أمر مقر الحرس الثوري الإيراني الفريق 12 بتسليمها إلى سجن إيفين.
ويقول مرتضى جليل إنه في طريق نقل نيكا إلى سجن إيفين، سمع أصوات سقوط وانكسار من الجزء الخلفي للشاحنة.
ويقول بهروز صادقي، وهو عضو آخر في الفريق 12: "كنت في الثلاجة مع أعضاء الفريق الآخرين. كان الظلام دامسًا تمامًا ولم نتمكن من رؤية بعضنا البعض إلا من خلال ضوء هواتفنا المحمولة. بعد أن أخذنا المتهمة من مركز اعتقال الباسيج، أخذت تشتمنا مرة أخرى. غطى أراش كلهر فمها بالجورب، لكنها ظلت تركلنا، وأخيراً جعلها صادق تستلقي على أرضية الشاحنة وجلس عليها. هدأت الأمور قليلاً، لكن بعد دقائق قليلة، لا أعرف ما الذي حدث، بدأت بالركل والسب. لم أر حقًا ما كان يحدث، ولم أسمع سوى صوت الضرب".
وجاء في هذا التقرير أيضًا تصريحات أرش كلهر حول الأحداث داخل الشاحنة، حيث ذكر أنه "عندما بدأت المتهمة بالصراخ والعراك مرة أخرى، قام بتشغيل ضوء هاتفه المحمول للحظات ورأى صادق منجزي يجلس على المتهمة، ويده في سروالها... يقول كلهر أيضًا أنه بعد ذلك فقدنا السيطرة جميعًا.. ولكنه سمع صوت الهراوة تضرب المتهمة وغرفة الثلاجة. وهو نفسه يقول أيضًا إنني كنت أركل وألكم أيضًا، لكنني حقًا لا أعرف إذا ما كنت أركل رفاقي أم المتهمة".
وبحسب هذه الوثيقة فإن كلهر "مستعد للقسم على شهادته".
لكن صادق منجزي يرفض تصريحات كلهر ويتهمه بـ"الغيرة المهنية".
وينفي وضع يده في سروال نيكا، لكنه يعترف بأنه تم "تحريكه" جنسيًا ولمس مؤخرة نيكا بعد الجلوس فوقها.
وبحسب قول منجزي، كان رد فعل نيكا على هذا الفعل هو خدشه ودفعه، ما أدى إلى سقوطه على الأرض.
وأضاف أن نيكا ركلته في رأسه وكان عليه أن يدافع عن نفسه.
بعد ذلك، أمر مرتضى جليل، بصفته قائد الفريق، الشاحنة بالتوقف وبعد فتح الجزء الخلفي من السيارة، واجه جثة نيكا هامدة.
وبحسب قول جليل، فقد قام بتنظيف رأس ووجه نيكا، التي "لم تكن في حالة جيدة"، من الدماء، لكنه لم يسأل أعضاء فريقه عن الأحداث التي أدت إلى وفاتها.
ثم اتصل جليل بمسؤول كبير في الحرس الثوري الإيراني يُدعى "نعيم 16" والذي أمر أيضًا بترك جثة نيكا في الشارع.
وقد قامت قوات الأمن التابعة للحرس الثوري بترك جثة نيكا في مكان هادئ في شارع "يادكار إمام" في طهران.
يقول نعيم 16 عن سبب قراره، كان لدينا من قبل قتلى في قواعدنا ولم أرغب في زيادة هذا العدد إلى 20 شخصًا.
وتذكر هذه الوثيقة السرية في النهاية أن التحرش الجنسي تسبب في اشتباك وأن الضربات التي وجهها أعضاء الفريق 12 أدت إلى وفاة نيكا.
وبحسب هذا التقرير، تم استخدام ثلاث هراوات وثلاث بنادق صاعقة في الهجوم على نيكا. وبعد وفاة نيكا أعلن تلفزيون إيران في تقرير له أنها أنهت حياتها بالقفز من أحد المباني.
ووصفت نسرين شاكرمي، والدة نيكا، هذا التقرير بأنه كاذب.
وتواصل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريرها بأن قتلة نيكا، الذين كانوا أعضاء في الباسيج، المعروفين باسم حزب الله، لم يعاقبوا، ولكن تم توبيخ نعيم 16 كتابيًا.
وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم 22 أبريل(نيسان) أن قوات الأمن الإيرانية اغتصبت وعذبت واعتدت جنسيا على من اعتقلوا خلال انتفاضة مهسا في عامي 2022 و2023.
وفي هذا الصدد، قال محمود أميري مقدم، مدير المنظمة الإيرانية لحقوق الإنسان، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، إن مؤسسات مختلفة في إيران، مثل الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، كانت تستخدم "بشكل منهجي" تعذيب واغتصاب المتظاهرين خلال انتفاضة مهسا.
وأشار إلى التقرير الأخير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، وأضاف: "إن نشر مثل هذه التقارير هو لتوعية المجتمع الدولي ورفع التكلفة السياسية على النظام الإيراني. وسيتم تقديم وثائق هذا التقرير إلى لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ويمكن استخدامها في المستقبل لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة".