كان الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، محل سخرية للمواطنين، عندما كان يخطئ في الألفاظ الصعبة، مثل "لوكوموتيو" فينطقها "لوكوموتير"، وذلك في خضم الدعاية الانتخابية للرئاسة الإيرانية عام 2021.
وأدت سياسات "رئيسي" الاقتصادية إلى هبوط العملة الإيرانية، بأكثر من الضعف؛ حيث وصل سعر الدولار الأميركي الواحد إلى 70 ألف تومان، بعد أن كان سعره نحو 30 ألف تومان.
واستمرت ولاية "رئيسي" ثلاث سنوات، سقطت فيها إيران إلى مستنقع التضخم المفرط، ناهيك عن أزمة الاحتجاجات الداخلية، التي انطلقت إثر مقتل الشابة، مهسا أميني، على يد قوات شرطة الأخلاق، بسبب حجابها غير الكامل.
وبعد تلك السنوات الثلاث، ومصرع "رئيسي"، يوم الأحد الماضي، إثر سقوط مروحيته، التي كان يستقلها وعدد من مرافقيه، بات لزامًا على النظام الإيراني اختيار رئيس جديد خلفًا له، عله يُرقّع ما تمزق في إيران، خلال هذه الفترة.
هذا الشخص قد يكون محمد مخبر أو سعيد جليلي، لكن أيًا كان اختيار النظام لخلافة "رئيسي"، فإنه يجب على الرئيس القادم أن يدير تركة مثقلة وميراثًا محملًا بالأعباء، فما هو هذا الميراث بعد 3 سنوات من حكم "رئيسي"؟
5.9 مليون متقاعد
لاتزال تشهد إيران احتجاجات هنا وهناك؛ نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والأزمة المستمرة على جميع المجالات والأصعدة، بالإضافة إلى الانتفاضة الشعبية عام 2022.
وتظهر الإحصائيات أنه في عام 2023، تم تنظيم ما مجموعه 560 مسيرة احتجاجية من قِبل المتقاعدين في 81 يومًا من العام بجميع أنحاء البلاد؛ وهذا يعني تنظيم تجمع للمتقاعدين كل 4- 5 أيام تقريبًا.
ولم تعد رواتب المتقاعدين تسد تكاليف حياتهم وحياة أسرهم؛ حيث تبلغ نسبة متوسط معاشات التقاعد، التي تقدمها الحكومة إلى متوسط نفقات الأسرة، في المدن الكبرى، 47%.
وهناك 9 ملايين و400 ألف متقاعد، في إيران اليوم، معظمهم تابعون لصندوق الضمان الاجتماعي، الذي يواجه أزمة كبيرة في دعمه؛ بسبب تزايد أعداد المتقاعدين، ولايزال صامدًا بفضل المساعدات الحكومية.
ويظهر مشروع تعداد القوى العاملة لعام 2023، والتي نشرها مركز الإحصاء، أنه على الرغم من التعريفات التعسفية للشخص العامل، فمن بين إجمالي 64 مليونًا و550 ألف إيراني فوق سن 15 عامًا، لا يعمل منهم سوى 26 مليونًا و638 ألف شخص فقط.
أولئك الذين يعملون ليسوا راضين إطلاقًا عن حالة الضرائب وتكاليف الإنتاج، ويظهر إضراب بائعي الذهب وسائقي الشاحنات هذا الاستياء وعدم الرضا عن الوضع الراهن.
الحالة المالية للحكومة
وتشير آخر إحصائيات البنك المركزي الإيراني، للربع الثاني من عام 2023، إلى أنه في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بلغ إجمالي الأوراق النقدية المطبوعة 1481 ألف مليار ريال، مرتفعة بنحو 50 بالمائة مقارنة بـ 2021.
وبنهاية الربع الثاني من العام الماضي، ارتفعت ديون البنوك بنسبة 430 بالمائة، مقارنة بـعام 2021، كما ارتفعت ديون الحكومة والشركات المملوكة للدولة إلى البنك المركزي، بنسبة 80 بالمائة، خلال الفترة نفسها.
من ناحية أخرى، انخفضت الأصول الأجنبية للبنك المركزي من 5682 ألف مليار ريال، عام 2021، إلى 4486 ألف مليار ريال، في نهاية الربع الثاني من عام 2023، أي بانخفاض قدره 21%.
والواقع أن هناك عاملين، وهما القاعدة النقدية والأصول الأجنبية للبنك المركزي، واللذان يسيران على طريق التضخم، وقد يكون الأخير أكثر خطورة بكثير.
وبما أن الأصول الأجنبية للبنوك المركزية هي أحد عوامل استقرار عملات البلدان، وتلعب دورًا مهمًا في التعامل مع الصدمات الخارجية، فإن انخفاض النقد الأجنبي للبنك المركزي يمكن أن يعتبر بمثابة تحذير؛ خاصة في إيران التي تقوم حاليًا بتصدير منتجاتها من النفط والغاز والبتروكيماويات بإعفاءات مكتوبة أو غير مكتوبة.
الغلاء والتضخم
أظهر تقرير البنك المركزي أن سعر المتر المربع للسكن في طهران، ارتفع بنحو 180 بالمائة، في أبريل 2024، مقارنة بأبريل 2021. ورغم أن تقرير مركز الإحصاء يقول إن معدل التضخم السنوي لعام 2023 كان يساوي 41 بالمائة، فإن جدول سداد الديون لدى البنك المركزي يشير إلى معدل تضخم قدره 52 بالمائة، وهو معدل غير مسبوق منذ 80 عامًا.
وبلغ التضخم عام 2022 نحو 47%، وبلغ عام 2021 نحو 40%. وهذا التغير في الأسعار مفهوم جيداً للعائلات الإيرانية التي كانت تشتري كيلو الأرز الأجنبي عام 2021 بنحو 24- 25 ألف تومان، والآن يتعين عليها شراء الأرز نفسه بنحو 60 ألف تومان للكيلو الواحد ولا يحتاج الأمر إلى أرقام وإحصاءات.
وبينما أوشك الشهر الخامس من عام 2024 على الانتهاء، لايزال البرلمان الجديد لم يبدأ أعماله رسميًا، وهو برلمان جاء بأقل نسبة مشاركة شعبية في الانتخابات، ومن ناحية أخرى، مات الرئيس الإيراني، ولم يتم بعد تحديد ميزانية العام الإيراني الذي انتهت منه 3 أشهر.
ولايزال الاقتصاد الإيراني يعاني صدمة انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، حيث توقفت عجلة تقدمه ونموه، الذي بدأ منذ التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، وإزالة الحظر الاقتصادي على إيران.
وفي عام 2021، عندما دخل الرئيس الجديد المبنى الرئاسي، حذر الاقتصاديون من أن إيران في طريقها لأن تصبح فنزويلا ثانية، بسبب نسبة التضخم، وقد تأخرت هذه العملية بسبب تخفيف العقوبات من قِبل الولايات المتحدة، وزيادة مبيعات النفط الإيراني، لكن ظل هذه العقوبات لايزال يخيّم على الاقتصاد الإيراني.
وبغض النظر عن الشعارات الاقتصادية، التي يطلقها المسؤولون في إيران، فإن الاقتصاد الإيراني في الواقع لايزال يعتمد على النفط، وهذا الاعتماد هو السبب في فاعلية العقوبات؛ حيث يتبقى نحو خمسة أشهر، حتى 5 نوفمبر لعام 2024 (موعد إجراء الانتخابات الأميركية)، منها شهر واحد سينقضي لإجراء الانتخابات المبكرة في إيران، في يونيو المقبل.
ورغم أنه بات متعارفًا عليه في إيران أن الرئيس يقضي دورتين رئاسيتين، فإن الوضع في البلاد اليوم ليس طبيعياً، خاصة إذا كان شخص ما مثل ترامب هو الذي سيحكم الولايات المتحدة.
ولو لم يلقَ إبراهيم رئيسي حتفه في تحطم المروحية، الأحد الماضي، لربما أتيحت للمرشد الإيراني، علي خامنئي، فرصة اختيار مرشح مناسب للسنوات الأربع المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار الرئيس المنتخب للولايات المتحدة.