ذكر تقرير مركز تشاتام هاوس البحثي، أن نتيجة الانتخابات الإيرانية يمكن أن يكون لها تأثير عميق على العلاقات الخارجية للنظام الإيراني، بما فيها مع الدول الأخرى، خاصة علاقته مع روسيا.
وخلق حادث تحطم مروحية "إبراهيم رئيسي" في 19 مايو (أيار) الماضي، والذي أدى إلى مصرع شخصيتين رئيستين في العلاقات بين إيران وروسيا (رئيس الجمهورية ووزير الخارجية)، تغييرًا غير متوقع في المشهد السياسي الإيراني.
وكان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، من الداعمين الرئيسين للتقارب مع روسيا، وتُوفيّ الاثنان قبل أن يتمكن البلدان من إضفاء الطابع المؤسسي على علاقتهما في شكل اتفاقية شراكة جديدة طويلة الأجل.
وقد أثار هذا الحدث أسئلة مهمة حول مستقبل العلاقات الإيرانية- الروسية. فهل سيسعى الرئيس القادم لإيران إلى تطوير العلاقات مع روسيا بالقوة نفسها، أم أن التغييرات سترسم مساراً جديداً لسياسة إيران الخارجية؟
وأوضح مركز أبحاث تشاتام هاوس، في تقرير له، أنه يبدو أن الاتجاه العام للعلاقات بين طهران وموسكو سيظل دون تغيير.
وأكد كل من الرئيس بالإنابة، محمد مخبر، والقائم بأعمال وزير الخارجية بالإنابة، علي باقري كني، الطبيعة الاستراتيجية طويلة المدى للعلاقات بين إيران وروسيا.
ويظهر هذا الموقف أنه لن يكون هناك تغيير كبير في سياسة طهران الخارجية تجاه روسيا، أقله على المدى القصير، لكن نظرة دقيقة على مواقف المرشحين الرئيسين في السباق الرئاسي تظهر صورة مختلفة.
وركزت الحملات الانتخابية لستة مرشحين، في الأسبوعين الأخيرين، على الأولويات التي ترتبط مباشرة بتحسن الوضع الاقتصادي في إيران ورفع العقوبات.
ويشير هذا النهج إلى أن العلاقة الخاصة مع موسكو، التي سعى إليها "رئيسي"، قد تكون أقل أولوية على جدول أعمال الحكومة المقبلة.
حالة العلاقة بين روسيا وإيران
إن قرار التقارب أكثر من روسيا، في 2020- 2021، اتُخذ على مستوى عالٍ من قِبل المرشد الإيراني علي خامنئي، لكن حتى هذا القرار لا يشكل ضمانة لاستمرار العلاقات مع روسيا في الاتجاه الذي خطط له "رئيسي".
ومن الممكن أن يؤدي تغيير موقف الرئاسة إلى إعادة النظر في هذه الاستراتيجية؛ خاصة إذا كانت مصلحة إيران تقتضي ذلك.
والعلاقات الحالية بين طهران وموسكو واسعة للغاية، وتشمل تنسيق المواقف وتبادل المعلومات حول مختلف القضايا الدولية، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني، والحرب في سوريا، والوضع في منطقة بحر قزوين، والاتجاهات السياسية والأمنية في أفغانستان، وغيرها من الملفات الإقليمية.
وتلعب إيران أيضًا دورًا مهمًا في أسواق النفط والغاز، وقد قامت روسيا ببناء أول محطة للطاقة النووية في الشرق الأوسط في إيران.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت إيران موردًا مهمًا للأسلحة لروسيا.
كما تلعب إيران دورًا رئيسًا في خطط إنشاء ممر نقل بين الشمال والجنوب للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
ولم تقم إيران بتعليم روسيا كيفية التحايل على العقوبات فحسب، بل عملت أيضاً كأداة للقيام بذلك.
ويمكن لطهران أن تتحدى المصالح الروسية في إيران من خلال تقليص سرعة التعاون في بعض المجالات، مثل توريد الأسلحة أو تطوير الممر بين الشمال والجنوب.
الأزمة الاقتصادية في إيران
إن الأزمة الاقتصادية والعقوبات هما التحديان الرئيسان اللذان سيواجههما الرئيس الإيراني القادم.
ومع انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2024، وصل مسعود بزشكيان وسعيد جليلي إلى الجولة الثانية، لكن في الأسبوعين الأخيرين، وعد جميع المرشحين الرئاسيين، بغض النظر عن آرائهم السياسية، بتحسين الاقتصاد وإنهاء ضغوط العقوبات.
ولم يطالب جليلي بإلغاء العقوبات فحسب، بل طالب أيضًا الدول التي فرضت هذه العقوبات بتقديم اعتذار لإيران.
وفي المقابل، انتقد بزشكيان صراحة استراتيجية "التوجه نحو الشرق" التي تنتهجها إيران، ودعا إلى انفتاح البلاد تجاه الغرب وخفض التوتر مع الولايات المتحدة.
ويظهر هذا الاختلاف في وجهات النظر أن السياسة الخارجية لإيران، بما في ذلك العلاقات مع روسيا، يمكن أن تتأثر بنتائج الانتخابات.
وكما أشار بعض المحللين، فإن سياسة "التوجه نحو الشرق"، التي تنتهجها طهران، لم توفر سوى فرص اقتصادية محدودة لم تكن كافية لتعويض التأثير السلبي للعقوبات، والآن أصبحت هذه الحقيقة واضحة للعديد من السياسيين.
وربما يفرض إلغاء العقوبات وتحسين العلاقات مع الغرب، على طهران، إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا، على الرغم من أن هذا التغيير قد لا يكون فوريًا؛ حيث تدرك موسكو ذلك وتتصرف وفقًا له.
وحاول "الكرملين" تأجيل المناقشات حول اتفاق ثنائي طويل الأمد بين طهران وموسكو، بعد وفاة "رئيسي"، مشيرًا إلى الحاجة إلى رؤية نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
ويمكن تفهم حيطة وحذر "الكرملين"؛ لأنه لم يكن كل المرشحين مهتمين بالعمل بشكل وثيق مع موسكو خلال حملاتهم الانتخابية؛ حيث عارض المرشح الإصلاحي، مسعود بزشكيان، اعتماد طهران الأحادي الجانب على التعاون مع روسيا والصين.
ويعتقد أن السياسات الكاملة للعلاقات الخارجية الإيرانية لن يتم الكشف عنها إلا بعد رفع العقوبات وإنشاء سياسة متعددة الأطراف تتطلب التفاعل مع الغرب.
كما أن العديد من المحافظين أشاروا إلى أن هذه السياسة لم تحقق نتائج ملموسة في تحسين الوضع الاقتصادي بإيران، بل على العكس من ذلك، فإن مساعدة روسيا في حرب أوكرانيا لم تؤدِ إلا إلى زيادة عبء العقوبات على طهران.