ذهبت الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران، عام 2024، إلى الجولة الثانية بنسبة مشاركة بلغت نحو 40%. والآن، أصبح أمام الإصلاحيين والأصوليين، الذين يعتبرهم مرشد النظام الإيراني "جناحي النظام"، أسبوعًا للتنافس فيما بينهم، ربما لزيادة المشاركة المنخفضة التي يعتبرها علي خامنئي "عارا".
ومع الانتهاء من فرز الأصوات، تأهل مسعود بزشكيان، مرشح التيار الإصلاحي، وسعيد جليلي، مرشح التيار الأصولي، إلى جولة الإعادة.
ووفقًا للمادة 117 من دستور إيران، يمكن لأي شخص أن يصبح رئيسًا في الجولة الأولى من الانتخابات، إذا فاز بالأغلبية المطلقة من أصوات المشاركين؛ حيث إن الأغلبية المطلقة تعني 50 بالمائة زائد صوت واحد، وقد أظهرت النتائج عدم تمكن جليلي وبزشكيان من الحصول على الأغلبية المطلقة.
ومع إعلان النتائج الرسمية، ستبدأ عملية الدعاية الانتخابية للجولة الثانية، وفقًا لقوانين النظام الإيراني.
وبحسب جدول الانتخابات الرئاسية المبكرة، الذي نُشر في وقت سابق، فإن الجولة الثانية من الانتخابات المبكرة ستُجرى يوم الجمعة المقبل 5 يوليو (تموز) 2024.
الدعاية الانتخابية وإمكانية القطبين
كان بيمان جبلي، رئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، قد قال، في وقت سابق، إنه من المرجح إجراء مناظرات ثنائية في الجولة الثانية من تلك الانتخابات.
وأضاف جبلي، المعين من قِبل خامنئي، في 9 يونيو الجاري، شارحًا الخطط في حالة إجراء انتخابات على مرحلتين: "من المؤكد أن أحد الاحتمالات التي ينبغي النظر فيها هو إجراء الانتخابات في الجولة الثانية، وبالتأكيد الإعلام الوطني لديه خطة لذلك، وسيتم تحديد ما إذا كانت المناظرة ستكون وجهًا لوجه أم بشكل آخر".
وكان ما سمته الإذاعة بالمناظرة في الواقع عبارة عن طاولة مستديرة مكلفة شارك فيها ستة مرشحين، خلال الجولة الأولى من الانتخابات، ولم تتمكن هذه الموائد المستديرة من جذب رأي الجمهور، على الرغم من الدعاية المكثفة، وكما أظهر استطلاع مركز الجهاد الأكاديمي، فإن أكثر من 73 بالمائة من الناس لم يشاهدوا حتى المناظرة الأولى.
لكن الجولة الثانية من الانتخابات تختلف كليًا عن الجولة الأولى، وإذا وافقت الإذاعة والتلفزيون على إجراء المناظرة، فلن يكون هناك ستة مرشحين ليتم إجراؤها على شكل طاولة مستديرة، وبغض النظر عن كيفية تنظيم البرنامج، سيواجه مرشحان بعضهما البعض في النهاية.
يُذكر أن آخر مرة عقدت فيها هذه المؤسسة مناظرات بين شخصين في الانتخابات الرئاسية كانت في عام 2009، وهي تلك المناظرات التي لم يرضَ عنها علي خامنئي.
وقال خامنئي، في أول صلاة جمعة بعد الانتخابات في 19 يونيو (حزيران) 2009: "الجزء المعيب من القضية جعلني غير سعيد.. بالنسبة لمؤيدي المرشحين أيضًا كانت تلك الأجزاء المعيبة، وتلك الكنايات والتصريحات التحريضية مثيرة للقلق، وبالطبع كانت من كلا الجانبين".
فرصة حضور سعيد جليلي
أحد هذين المرشحين هو سعيد جليلي، الذي نسب إليه الإصلاحيون- دون الإشارة مباشرة إلى دور خامنئي- كل العقوبات والضغوط الاقتصادية خلال سنوات رئاسة محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني.
وهذه القضية لا تنتهي عند الإصلاحيين؛ حيث نشر موقع "تابناك"، مؤخرًا، مقابلة نقل فيها محمد حسين رنجبران، أحد المديرين السابقين لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مقتطفات من كلمة لوزير خارجية حكومة إبراهيم رئيسي، الذي لقي مصرعه في حادث المروحية، قائلًا: "قال الشهيد أمير عبداللهيان إنه تم اتفاق في شتاء عام 2021، لكن هناك تيارًا منع تنفيذه؛ لا تصوتوا لهذا الشخص".
وكانت إشارته الضمنية إلى جليلي، الذي رفض التنحي لصالح قاليباف في الجولة الأولى من الانتخابات، على الرغم من أن قاليباف يدعم الآن جليلي بعد خسارته في الانتخابات.
ووصف علي خامنئي التيارين الإصلاحي والأصولي بأنهما جناحان للجمهورية الإسلامية، في 9 مايو (أيار) 2005.
تجربة يوليو (تموز) 2005
وتشبه الانتخابات المبكرة لعام 2024، في بعض النواحي، الانتخابات الرئاسية لعام 2005، عندما كان ستة مرشحين مؤهلين للمنافسة.
ومن بين أكبر هاشمي رفسنجاني ومصطفى معين وعلي لاريجاني ومهدي كروبي ومحمد باقر قاليباف ومحمود أحمدي نجاد، ذهب أحمدي نجاد وهاشمي إلى جولة الإعادة.
وأُجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التاسعة في 17 يونيو (حزيران) 2005، وبلغت نسبة المشاركة 62.8 بالمائة. وفي الجولة الأولى بلغ عدد الأصوات لهاشمي رفسنجاني 6.2 مليون صوت، ولأحمدي نجاد 7.5 مليون صوت. وفي الجولة الثانية التي جرت في 24 يونيو 2005، انخفضت نسبة المشاركة إلى نحو 59.9% وبلغت أصوات هاشمي رفسنجاني نحو 10 ملايين، وأصوات أحمدي نجاد نحو 17.2 مليون صوت.
ويقف الأصوليون حيث كان الإصلاحيون في يوليو 2005، من حيث تركيبة المرشحين، في الانتخابات الحالية.
ولم يدخل إلى اللعبة الانتخابية، حتى الآن، جزء من المجتمع الذي يُطلق عليه ألقاب مثل "الطبقة الرمادية" أو "الأصوات الرمادية"، في تلك الانتخابات المبكرة لعام 2024.
وقال خامنئي: "من العار على شعب أن يشارك 35 بالمائة، أو 40 بالمائة في الانتخابات الرئاسية. ويبدو أن الناس لا يثقون أو يهتمون أو يأملون في نظامهم السياسي"، وذلك في أبريل (نيسان) 2001، بعد مشاركة ما يقرب من 67 بالمائة من الناخبين المؤهلين في الانتخابات الرئاسية.
وأضاف أيضًا، في مايو (أيار) 2005: "التياران الأصولي والإصلاحي بمثابة جناحين لهذا البلد، بهذين الجناحين تستطيع البلاد أن تطير".
وقد أظهرت التجربة أن أحد جناحي خامنئي، وهما من الأصوليين، شاركا بكل قوتهما في كل الانتخابات، والآن تتجه أنظار أنصار نظام الجمهورية الإسلامية إلى الجناح الأيسر.
وينبغي أن نرى ما إذا كان الإصلاحيون سيتمكنون في 5 يوليو المقبل من الحصول على أصوات 60 بالمائة الذين قالوا "لا" لإجراء الانتخابات في هيكل الجمهورية الإسلامية من خلال عدم المشاركة في الجولة الأولى، أو كما حدث في 2005، لن تزيد المشاركة في الجولة الثانية، بل ستتناقص أيضًا عن الـ 40 في المائة المعلن عنها في الجولة الأولى.