توجهت الأنظار إلى موقف الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، من الاتفاق النووي، وطريقة تعامله مع هذا الملف الشائك، بعد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وكان أحد أكثر أعضاء حملته الانتخابية نشاطًا، هو محمد جواد ظريف، وزير الخارجية في حكومة روحاني، والذي أصبح اسمه مرتبطًا بشكل وثيق بخطة العمل الشاملة المشتركة.
وأصبح الاتفاق، الذي تم التوقيع عليه، عندما كان ظريف مسؤولًا عن الدبلوماسية الإيرانية، بلا أثر، الآن، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه عام 2018، وإعادة فرض العقوبات على طهران.
وبالنظر إلى العلاقة المتوترة بين ظريف والتيار الأصولي، فإنه من المستبعد أن يسمح الأصوليون بوصول ظريف مرة أخرى إلى منصب وزارة الخارجية؛ كونهم يسيطرون على البرلمان الإيراني، وهي الجهة التي ستمنح الوزراء، الذين يقترحهم الرئيس الثقة، ومِن ثمّ إمكانية العمل وشغل ذلك المنصب المهم.
وفي ضوء ذلك فإن هناك وجوهًا جديدة تُطرح لشغل منصب وزارة الخارجية، مثل عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين في حكومة روحاني، ومجيد تخت روانجي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعلي أكبر صالحي، وزير خارجية إيران الأسبق رئيس منظمة الطاقة الذرية السابق.
مع ذلك فمن المتوقع أن تكون وزارة الخارجية في عهد بزشكيان شبيهة بوزارة الخارجية في عهد روحاني؛ بمعنى أن تتخذ التوجه نفسه والرؤى نفسها في التعامل مع القضايا الخارجية والإقليمية.
موقف "بزشكيان" من الاتفاق النووي والعقوبات
كان مسعود بزشكيان مؤيدًا للاتفاق النووي، أثناء عضويته في البرلمان، وفي عام 2016 قال تعليقًا على ذلك الاتفاق: "عندما كنت ضمن فريق برلماني لمراجعة بنود الاتفاق النووي لم أستوعب كثيرًا من مضامينه؛ بسبب الطبيعة الخاصة لهذه المضامين، لكنني علمت أنه لولا الاتفاق النووي لخسرنا كل يوم مليار تومان بسبب العقوبات".
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ردًا على ما إذا كانت طهران ستبقى في هذا الاتفاق أم لا، قال بزشكيان إنه لا يعرف ذلك، مضيفاً: "لكن أيًا كان ما يقرره خامنئي فسنتبعه بالتأكيد. ومن الطبيعي أن تتبعه الحكومة أيضًا، وعلى هذا الأساس، يجب على الحكومة أن تقوم بالتنسيقات اللازمة".
ومع ذلك، يحتاج فريق بزشكيان المعني بمتابعة ملف الاتفاق النووي إلى موافقة وتأييد خامنئي، وكما قال بزشكيان في الماضي وأثناء حملته الانتخابية، فهو يعتبر نفسه تابعًا لخامنئي وملزمًا بطاعته.
ومن هذا المنطلق، يبدو قرار خامنئي أكثر أهمية من وجهة نظر فريق بزشكيان حول خطة العمل الشاملة المشتركة والمفاوضات.
وفي عام 2015، وافق البرلمان الإيراني على خطة العمل الشاملة المشتركة في فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز مدتها 20 دقيقة، بعد أن تسلمت رئاسة البرلمان رسالة من المرشد علي خامنئي يأمر فيها بالموافقة وقبول الاتفاق. لكن في عام 2019 أقر البرلمان نفسه "قانون العمل الاستراتيجي لإلغاء العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني" بضوء أخضر من خامنئي، وهو القانون الذي قال عنه ظريف في برنامج تلفزيوني حول الانتخابات الأخيرة إنه كان السبب في عدم عودة جو بايدن إلى الاتفاق النووي، واصفًا تلك الفترة بـ "الشهور الستة المريرة".
وكان وجود جواد ظريف في حملة "بزشكيان" الانتخابية يحمل إشارة واضحة وقوية لتوجهه في الملف النووي.
كما أن صيف عام 2024 ليس مثل شتاء عام 2020، حيث كان عمل ظريف وفريقه في وزارة الخارجية، عام 2020 على وشك الانتهاء بسبب انتهاء فترة رئاسة روحاني الثانية. لكن ظريف الآن أمام حكومة إصلاحية جديدة ولديه متسع من الوقت للتحرك في الملفات التي يجيدها ومن المؤكد أن خامنئي يدرك هذه القضية أيضًا.
ويرى بعض المراقبين أن بزشكيان الذي لا ينفك في تأكيد ولائه لخامنئي أنه قد يكون قادرًا على كسب رضا خامنئي؛ لإظهار "مرونة بطولية" مرة أخرى والقبول باتفاق نووي جديد.
وتم التوقيع على الاتفاق النووي، عام 2015، في عهد حكومة روحاني وبدعم من خامنئي، الذي وصف قرار النظام قبوله الاتفاق مع الولايات المتحدة والدول الأخرى المعنية بالاتفاق النووي بـ "المرونة البطولية".
وأشار خامنئي، في بدء المفاوضات النووية، إلى خطاب له قبل الثورة، وكذلك كتاب حول الإمام الثاني لدى الشيعة (الحسن بن علي) وقال إن السياسة هي "مرونة بطولية"، مضيفًا أن المرونة تكون ضرورية ولازمة في بعض الأحيان.