بعد ثلاثة أيام من انتهاء الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في إيران، والتي انتهت بفوز المرشح الإصلاحي، مسعود بزشكيان، انقسمت الحركة الأصولية، المعروفة باسم "الجبهة الثورية"، وألقى كل من محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي باللائمة على الآخر، محملًا إياه مسؤولية الفشل في الانتخابات.
ومن ناحية أخرى، ركز الأصوليون على "أصوات القوميات"، التي ذهبت إلى الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، كمحور آخر للنقاش بعد الانتخابات، معتبرين إياها من أسباب هزيمتهم.
وقد أُعلن فوز مسعود بزشكيان برئاسة إيران، بعد إجراء الجولة الثانية من الانتخابات، في 5 يوليو (تموز) الجاري، إثر حصوله على 16 مليونًا و384 ألفًا و403 أصوات بنسبة 53.6 بالمائة، بعد هزيمة منافسه المرشح الأصولي، سعيد جليلي، الذي جاء في المركز الثاني بحصوله على 13 مليونًا و538 ألفًا و179 صوتًا (ما يعادل 44.3 بالمائة).
مقر قاليباف: جليلي السبب في انتهاء "عصر رئيسي"
حمّل مقر محمد باقر قاليباف، في بيان له، سعيد جليلي، سبب فشل الأصوليين في هذه الانتخابات، وقال إنه لو استقال قبل الجولة الأولى لما هُزمت "الجبهة الثورية"، ولما انتهى "عصر إبراهيم رئيسي".
وأشار هذا المقر إلى اللقاء الثلاثي، الذي عُقِدَ بين قاليباف وجليلي و"إحدى الشخصيات البارزة في جبهة المقاومة"، وذكر أن "إصرار الموالين للنظام على استقالة جليلي، كان بسبب ارتفاع شعبية الدكتور قاليباف في استطلاعات الرأي".
ولم يذكر مقر قاليباف اسم "الشخصية البارزة في المقاومة"، ولكن في الأيام التي سبقت الجولة الأولى من الانتخابات، ذُكر اسم إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، باعتباره الشخص الحاضر في هذا الاجتماع، والذي لم يتمكن من إقناع المرشحين الأصوليين بـ "الإجماع" على مرشح واحد.
وقد قوبل حضور قاآني في هذا الاجتماع الأصولي، الذي عقد في مدينة مشهد، بانتقادات كثيرة بسبب تدخل القائد العسكري في السياسة.
وتابع مقر محمد باقر قاليباف، في بيانه، أن جليلي لم يلتفت إلى "الأسباب الواضحة" لانسحابه من الانتخابات، والتي "أسفرت عن هزيمة الجبهة الثورية وانتهاء العهد الذي بدأه الشهيد رئيسي".
يُذكر أن نظام الجمهورية الإسلامية يطلق على إبراهيم رئيسي ومرافقيه، الذين لقوا مصرعهم في حادث تحطم المروحية، يوم 19 مايو (أيار) الماضي، لقب "شهداء الخدمة".
مستشار جليلي: مرشحنا كان أكثر قبولًا
قوبلت حجج أنصار قاليباف ومقره بردود فعل من أمير حسين ثابتي، عضو البرلمان وكبير مستشاري سعيد جليلي، الذي ذكر في مقال له على قناته بـ "تليغرام": "بناء على مؤشر المقبولية، حصل جليلي على أصوات أكثر، ومن الطبيعي أن يبقى في المشهد" و"بعد انتهاء الجولة الأولى تبين أن أصواته كانت نحو ثلاثة أضعاف أصوات قاليباف".
وانتقد ثابتي، محمد باقر قاليباف، مدعيًا أنه لو كان "قد تنحى لصالح جليلي، لكان جليلي قد أنهى المنافسة منذ الجولة الأولى".
وحصل محمد باقر قاليباف، في الجولة الأولى من الانتخابات، على نحو ثلاثة ملايين صوت، فيما تمكن نظيره الأصولي، سعيد جليلي، من الحصول على أكثر من تسعة ملايين صوت، بينما حصل مرشح الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، على أكثر من 10 ملايين صوت، وصعد إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بالإضافة إلى جليلي.
واتهم مقر بزشكيان العديد من المؤسسات ووسائل الإعلام الرسمية بعدم الحيادية والانحياز إلى منافسه الأصولي، سعيد جليلي، وذلك في الأيام التي سبقت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وطلب هذا المقر من المؤسسات الرقابية، خاصة مجلس صيانة الدستور والسلطة القضائية، النظر في هذا الأمر.
ولم يُنشر حتى الآن أي تقرير عن التعامل مع هذه الشكوى، كما أكد مجلس صيانة الدستور دقة نتائج جولتي الانتخابات.
"أصوات القوميات" لصالح "بزشكيان"
أشار أمير حسين ثابتي، مستشار سعيد جليلي، في جزء آخر من مقاله، إلى "أصوات القوميات" التي ذهبت إلى الرئيس المنتخب، مسعود بزشكيان، وقال: "لقد فاز الطرفان في المحافظات بالتساوي تقريبًا (فاز بزشكيان في 16 محافظة خلال التصويت الأول، وحصد جليلي أصوات 15 محافظة)، ولكن بزشكيان تمكن من أن يصبح رئيسًا بفارق أقل من ثلاثة ملايين صوت، بسبب تصويت القوميات لصالحه في أربع محافظات، وهي: أردبيل وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وكردستان".
وأضاف أن الفارق بين أصوات بزشكيان وجليلي في هذه المحافظات الأربع بلغ "مليونين و956 ألف صوت، وبلغ الفارق الإجمالي بينهما في جميع المحافظات الـ 31، نحو مليونين و850 ألف صوت!".
وخلص مستشار جليلي إلى أن "الميزة الرئيسة والأخيرة لبزشكيان في هذه الانتخابات لم تكن خطابه أو نهجه السياسي أو حتى بعض الثنائيات السياسية والثقافية، بل أصوات القوميات في أربع محافظات".
وهذه الحُجة، التي استند إليها مؤيدو "جليلي" عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى البعض في الخارج، تعرضت لانتقادات من قِبل مجموعة أخرى من الأصوليين؛ من بينهم علي رضا زاكاني، مرشح هذه الانتخابات، الذي انسحب من المنافسة قبل إجراء الجولة الأولى، مع أمير حسين قاضي زاده هاشمي.
وذكر زاكاني، في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، أن "التفسيرات العرقية لأصوات المسؤولين المنتخبين في البلاد هي إضعاف للديمقراطية الدينية وعدم احترام لخيار المجتمع الإيراني".
كما اعتبر الرئيس السابق لمركز التقييم والرصد الاستراتيجي التابع لأمانة مجمع تشخيص مصلحة النظام، ياسر جبرائيلي، والذي دعّم سعيد جليلي في الانتخابات الرئاسية، أن "التحليل العرقي لنتيجة الانتخابات خاطئ وبعيد عن الواقع".
وأعرب عن خشيته من أن هذا التحليل "قد يثير النعرات القومية في المحافظات بعد الانتخابات، فقد أصبح بزشكيان رئيسًا بـ 16.3 مليون صوت، وليس 2.7 مليون!".