منذ أن تولى خافيير ميلي منصبه رئيسًا للأرجنتين في ديسمبر (كانون الأول) 2023، انصب اهتمامه المتزايد على الأمن القومي لبلاده، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية المحتملة من إيران، عبر حلفائها، في بوليفيا وفنزويلا.
الأرجنتين وإيران.. تاريخ من العلاقات المعقدة
اتسمت العلاقات بين الأرجنتين وإيران، بعدم الاستقرار، عبر تاريخها، والذي يعود إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في التسعينيات، إثر تفجير السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس، عام 1992، والهجوم الدموي على مركز آميا اليهودي بالأرجنتين عام 1994، واللذين يعتبران نقطتي تحول في العلاقات بين البلدين.
وقد خلَّفت هذه الأحداث، التي تحمّل السلطات الأرجنتينية إيران المسؤولية عنها، إرثًا من عدم الثقة واليقظة تجاه أنشطة طهران في منطقة أميركا اللاتينية.
زيادة نفوذ إيران في أميركا اللاتينية
كثّفت إيران، جهودها لتوسيع نفوذها في أميركا اللاتينية، خلال السنوات الأخيرة، وتشمل هذه الاستراتيجية تعزيز العلاقات مع دول مثل بوليفيا وفنزويلا ونيكاراغوا.
وتعمقت هذه العلاقات مع بوليفيا، على وجه الخصوص، خلال رئاسة إيفو موراليس، واستمرت حتى عهد الرئيس البوليفي الحالي، لويس آرسي.
ويتضمن التعاون بين إيران وبوليفيا العديد من الاتفاقيات الثنائية، خاصة في مجالي الدفاع والأمن، وأدى هذا التعاون إلى توفير المعدات العسكرية، بما في ذلك تصدير الطائرات المُسيّرة من إيران إلى بوليفيا، وتشعر السلطات الأرجنتينية بالقلق من أن يكون هذا التعاون بمثابة غطاء لأنشطة إيرانية سرية وربما خطيرة.
القلق الأمني لدى الأرجنتين
وأعربت الحكومة الأرجنتينية، بقيادة خافيير ميلي، عن مخاوف جدية بشأن احتمال تسلل عملاء إيرانيين إلى بوينس آيرس، عبر الحدود المشتركة مع بوليفيا وأيضًا فنزويلا، وتخشى السلطات الأرجنتينية أن تستخدم إيران هاتين الدولتين كقاعدة لتنفيذ أنشطة تتعلق بالإرهاب وتهريب المخدرات.
ويتمثل أحد المخاوف الأرجنتينية الرئيسة في إصدار جوازات سفر بوليفية للمواطنين الإيرانيين بهويات مزورة، وهذا من شأنه أن يسمح لهم بالتحرك بحرية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، ويعتقد المسؤولون الأرجنتينيون أن هذه الأنشطة يتم توجيهها من قِبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري ووزارة الاستخبارات الإيرانية.
الإجراءات الأمنية الجديدة
وردًا على هذه التهديدات، قامت الأرجنتين بزيادة تدابيرها الأمنية بشكل كبير، خاصة على الحدود الشمالية مع بوليفيا، وتشمل هذه التدابير تكثيف مراقبة الحدود، وزيادة الدوريات الحدودية، وتحسين أنظمة المعلومات وتحديد الهوية.
وأعلنت وزيرة الأمن في حكومة بوينس آيرس، باتريشيا بولريتش، في مقابلة مع صحيفة "لا ناسيون" الأرجنتينية، أن أعلى مستويات التأهب والأمن موجودة على الحدود مع بوليفيا، كما أكدت وجود نواة لـ "حزب الله" اللبناني، التابع لإيران، في المنطقة الحدودية الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.
تحقيق العدالة لضحايا الهجمات الإرهابية
تواصل الأرجنتين السعي إلى تحقيق العدالة لضحايا الهجمات الإرهابية، التي ارتكبها النظام الإيراني في التسعينيات، وقد طلبت حكومة بوينس آيرس، مؤخرًا، من منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، اعتقال وزير الداخلية الحالي بالجمهورية الإسلامية، أحمد وحيدي؛ بتهمة التورط في تفجير مركز آميا اليهودي، ويظهر هذا الإجراء التزام الحكومة الأرجنتينية بمتابعة هذه القضايا القديمة وتقديم مرتكبيها للمحاكمة.
التوترات الإقليمية وأثرها على أمن الأرجنتين
وفي الوقت الحالي، تزايدت التوترات في المنطقة مع تصرفات فنزويلا العدوانية تجاه جارتها غيانا (دولة صغيرة تقع على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية وهي جزء من منطقة البحر الكاريبي).
ووفقًا للتقارير الأخيرة، أرسل الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، سفنًا مدرعة ودبابات خفيفة وزوارق دورية مجهزة بالصواريخ وقوات عسكرية إلى منطقة إسكيبو المتنازع عليها، والخاضعة لسيطرة غيانا، للتهديد بالاستيلاء على ثلثي هذه المنطقة.
وجاء هذا الإجراء بعد تحليق طائرات مقاتلة أميركية فوق غيانا؛ مما أثار مخاوف بشأن احتمال نشوب صراع عسكري.
ومن الممكن أن يكون لهذا الوضع عواقب وخيمة على المنطقة، بما في ذلك الأرجنتين؛ حيث يحذر محللون من أن هذا الصراع قد يتحول إلى مواجهة أكبر بين القوى العالمية: أميركا وحلفائها من جهة، ومحور يتكون من روسيا والصين وإيران من جهة أخرى.
حلفاء فنزويلا ودورهم في التوترات الإقليمية
تتمتع إيران بعلاقات وثيقة جدًا مع فنزويلا، بالإضافة إلى الاستثمارات الروسية والصينية في هذه الدولة الواقعة بقارة أميركا الجنوبية، وهذا التحالف، خاصة في المجالين العسكري والطاقة، باستطاعته تحويل أي صراع محتمل إلى فرصة لتعزيز موقفه في مواجهة الولايات المتحدة.
وقال الخبير في شؤون أميركا اللاتينية، موكي تانينبام، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال": "إذا تحولت التوترات القائمة إلى صراع مسلح، فإن هذه المواجهة ستصبح نقطة تحول عالمية تتصادم فيها المصالح المحلية واستراتيجيات القوى العظمى في العالم".
وأضاف تانينبام أن مثل هذا السيناريو سيؤدي على الأرجح إلى مواجهة غير مباشرة بين الكتلة، التي تقودها الولايات المتحدة، ومحور روسيا والصين وإيران، ولذلك، ينبغي النظر إلى الصراع المحتمل بين فنزويلا وغيانا ليس فقط في سياق نزاع إقليمي، بل باعتباره حافزًا محتملًا لمواجهة عالمية أيضًا.
نماذج من الأنشطة المشبوهة لإيران في المنطقة
تم الإبلاغ عن ثلاث حالات كاذبة لقنابل مزيفة خارج السفارة الإسرائيلية في مونتيفيديو، عاصمة الأوروغواي، بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 ويونيو (حزيران) 2015.
وتعتقد شرطة الأوروغواي أن هذه الأعمال نفذها عملاء للجمهورية الإسلامية، وكثيرًا ما يؤكد المحللون والمسؤولون في أميركا اللاتينية أن إيران، والجماعات التي تدعمها، تتخذ من أوروغواي قاعدة لتنفيذ أنشطتها الإرهابية في المنطقة.