رغم أن النظام الإيراني يفرض العديد من القيود على السلوك الجنسي خارج إطار الزواج الرسمي، استنادًا إلى قوانين الشريعة الإسلامية، فإنه يبدو أن نمو "خدمات التدليك الصحي" بشكل خفي في مختلف المدن، قد تحول إلى غطاء للتجارة الجسدية وممارسة البغاء.
يأتي ذلك في حين أن تجاهل الحجاب الإجباري المفروض على النساء يمكن أن تكون له عواقب وخيمة، وقد يؤدي حتى إلى الاعتقال العنيف والمضايقات والغرامات والسجن للنساء.
وتأتي الدعارة في شكل تقديم خدمات التدليك، والتي يتم الإعلان عنها على الشبكات الافتراضية، لتنم عن تناقضات أخلاقية واجتماعية واقتصادية عميقة في نظام الجمهورية الإسلامية.
وتمثل الشعبية التي تحظى بها خدمات التدليك على الشبكات الاجتماعية، مثل "إنستغرام"، مفارقة كبيرة في بلد تسير الأخلاق العامة فيه على أساس المبادئ الإسلامية.
ويبدو أن العديد من هذه الصفحات في الفضاء الإلكتروني تروج للخدمات الطبية، لكن التحقيقات الأكثر تفصيلاً التي أجرتها "إيران إنترناشيونال" تكشف عن حقيقة أخرى: شبكة سرية من الدعارة تعمل تحت غطاء الخدمات الطبية.
إحدى هذه الصفحات تديرها امرأة تقدم نفسها على أنها حاصلة على شهادة في علم وظائف الأعضاء من جامعة طهران وشهادة دولية في العلاج بالتدليك من ماليزيا، ومكتوب في صفحتها الشخصية: "أنا مدلكة وأقدم خدمات التدليك للرجال والنساء في طهران".
ولا تستطيع "إيران إنترناشيونال" التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الصفحات أو محتواها، علاوة على ذلك، يبدو أن بعض هذه الصفحات استخدمت مقاطع فيديو لخدمات التدليك في بلدان أخرى للترويج لعملها.
وتشمل هذه الخدمات التدليك المنزلي، وتدليك القدمين، والتدليك بالأحجار الساخنة، والتدليك التايلاندي، وتعرض بعض هذه الصفحات صورًا لصالة للتدليك تقع، على ما يبدو، في شمال طهران.
ويبدو أن وجود عدد من مقاطع الفيديو لشابات يقمن بتدليك الرجال يتيح للعملاء اختيار المدلكة المفضلة.
إلا أن أحد الروابط الموجودة على إحدى هذه الصفحات يوجهنا إلى قناة "تلغرام"، وهذه القناة تصور بعدًا آخر للخدمات المقدمة في هذه المراكز.
ويظهر محتوى قناة "تلغرام" هذه أن هذه المراكز تقدم للعملاء أكثر من مجرد العلاج بالتدليك التقليدي؛ حيث تشمل خدماتها أيضًا الجنس الثلاثي أو الجماعي والعلاقات مع المثليات والمتحولين جنسيًا.
ويصل سعر هذه الخدمات إلى 2,100,000 تومان للتدليك لمدة 90 دقيقة، و4,700,000 تومان للتدليك والجنس، و6,200,000 تومان لليلة واحدة من الخدمة، و13,000,000 تومان لخدمات 24 ساعة.
يذكر أن الدعارة غير قانونية في إيران، ويواجه الأشخاص الذين يشاركون فيها أو يسهلونها عقوبات شديدة.
وبحسب القوانين الإيرانية، فإن "الزنا"، أي العلاقات الجنسية بين شخصين لا تربطهما علاقة زوجية رسمية، والمثلية الجنسية يمكن أن تؤديا إلى السجن أو الجلد، وفي بعض الحالات إلى الإعدام.
ويقول المراقبون إنه على الرغم من القوانين العقابية القاسية، فإن تجارة الجنس السرية مستمرة في إيران، وتغذيها عوامل مثل الفقر والبطالة وإدمان المخدرات ونقص التعليم.
وتعتبر المشكلات الاقتصادية الحادة من أهم الأسباب التي تُعرّض النساء في إيران للاستغلال، ويمكن أن تجبر بعضهن على ممارسة الدعارة.
وعندما اتصلت "إيران إنترناشيونال" بمدير قناة "تلغرام" للحصول على مزيد من المعلومات، رد شخص ما على المكالمة بقائمة معدة مسبقًا توضح بالتفصيل قواعد وطرق الدفع.
ووفقا لقوله، يجب على العملاء دفع نصف الرسوم قبل الحصول على الخدمة، والنصف الآخر بعد ذلك، على الرغم من أنه يجب دفع الدفعة المقدمة إلى حساب شخص آخر، وهذا قد يعني أن هذه الصفحات والقنوات تعمل في مجال الاحتيال.
إن وجود هذه الصفحات في الفضاء الإلكتروني، سواء كانت مزيفة أو حقيقية، يرسم صورة مقلقة للحياة في إيران: إما أن بعض الأفراد يسيئون استخدام أعمال الدعارة غير القانونية لخداع الشباب والاحتيال عليهم، أو أن الشابات من سن مبكرة، من 20 حتى 40 عامًا، على استعداد لبيع أجسادهن مقابل ثلاثة ملايين تومان.
وأظهر استمرار التحقيقات التي أجرتها "إيران إنترناشيونال" أن هناك العديد من الصفحات المشابهة في الفضاء الإلكتروني يتولاها مديرو مجموعات إيرانيون.
وبعض هذه الصفحات تروج بشكل ضمني وغامض لتقديم الخدمات الجنسية، والبعض الآخر يتحدث عنها علنًا، وتتراوح أسعار هذه الخدمات من مليوني تومان إلى 15 مليون تومان حسب عوامل مختلفة.
ونظراً لحساسية هذا الأمر وحفاظًا على أمن الأشخاص، الذين تُنشر صورهم على هذه الصفحات، تمتنع "إيران إنترناشيونال" عن ذكر الأسماء المدرجة في هذه الصفحات.
هناك إحداهن يرمز إليها بالحرف "آ" تقول إنها تبلغ من العمر 24 عامًا تظهر صورتها في أحد الإعلانات التي تعلن خدمات جنسية عبر الإنترنت.
وكما ادعت في الإعلان، فإنها من خلال تقديم شهادة صحية وشهادة تطعيم ضد كورونا، تؤكد للعملاء عدم وجود خطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا.
وتوجد صور لهذه المرأة بملابس مختلفة في هذه الصفحة، ومذكور أنها تطلب 13 مليونًا و500 ألف تومان مقابل مرافقة مريدي الخدمة الجنسية كل يوم، وتذهب معهم في رحلة.
وشاركت امرأة أخرى تحمل اسم "ميم"، مقاطع فيديو لممارسة الجنس عن طريق الفم، كما أنها تنشر أيضًا صورًا لنفسها على الشواطئ والصالات الرياضية والمواقع الأخرى لعملائها المحتملين، ويبدو أنها تحاول جذبهم من خلال عرض جسدها.
وشوهدت امرأة أخرى تدعى "كاف" في مقطع فيديو ترويجي، وهي ترسل القبلات والغمزات لعملائها من حمام السباحة.
وتتصرف السلطات الإيرانية بشكل انتقائي في مواجهة الدعارة، وفي كثير من الحالات، تغض الطرف عن الحقائق القائمة، وفي بعض الحالات، تقوم بقمع الأشخاص المتورطين في الدعارة بوحشية.
ولهذا السبب، هناك اعتقاد بأن القرارات وطريقة تعامل المسؤولين الحكوميين مع تجارة الجنس تتأثر بالفساد والرشوة.
وعلى الرغم من أن النظرة العامة للدعارة في إيران سلبية إلى حد كبير تحت تأثير القيم الدينية المحافظة، فإن الكثيرين يعترفون الآن بأن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا رئيسًا في تأجيج هذه الظاهرة.
وفي الوقت نفسه، واجهت جهود مكافحة الدعارة في إيران العديد من العقبات بسبب القيود القانونية والثقافية.
وعلى الرغم من وجود بعض المبادرات التي تهدف إلى دعم وإعادة تأهيل المشتغلين بالجنس في إيران، فإن المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال تواجه العديد من المشكلات، بما في ذلك الضغوط الحكومية والنظرة السلبية للمجتمع.
وبحسب الخبراء والمتخصصين في هذا المجال، فإنه لا يمكن التعامل بفعالية مع ظاهرة الدعارة إلا من خلال تحديد أسبابها الجذرية، مثل الفقر، ومحاولة حلها، والنظرة غير الأمنية والمرضية لهذه المشكلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الوعي والخدمات التعليمية والتدريب المهني والرعاية الطبية هي مؤشرات مهمة أخرى ينبغي أخذها في الاعتبار عند حل مشكلة البغاء.
ويسعى النظام إلى تطبيق قوانينه بشكل صارم في مجال "الأخلاق"، بما في ذلك الحجاب الإجباري، ومن ناحية أخرى، فإن الدعارة منتشرة وتستغل النساء الضعيفات تحت أعين النظام.