أصدرت السلطات القضائية في إيران أحكامًا ضد 89 مواطنًا من سكان بلدة "ليكك"، الواقعة جنوب غربي البلاد، لمشاركتهم في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بتهمتي "الإخلال بالنظام العام" و"تدمير الممتلكات العامة"، في خطوة تهدف على ما يبدو لردع أي احتجاجات مستقبلية.
الجدير بالذكر أنه تم إطلاق سراح هؤلاء الأفراد، الذين اعتُقلوا أثناء تلك الاحتجاجات بكفالة في البداية، ولكن بعد مرور 5 سنوات كاملة، تم تقديمهم إلى المحاكمة مرة أخرى.
ووجه مكتب المدعي العام الثوري في "ليكك"، إليهم عدة تهم، منها "الإخلال بالنظام العام" و"تدمير الممتلكات العامة"، وهي تهم غالبًا ما تستخدمها الجمهورية الإسلامية لإسكات المعارضة.
وذكرت وكالة أنباء "هرانا"، أنه بينما أُدين بعض الأفراد في هذه القضية، تمت تبرئة آخرين أو إسقاط التهم الموجهة إليهم. وأضافت أن هذه الملاحقة الانتقائية جزء من استراتيجية أوسع لنظام لجمهورية الإسلامية تهدف إلى خلق حالة من عدم اليقين والخوف؛ حيث يكون مصير المحتجين غير مرتبط بالقانون، ولكن وفقًا لأهواء أصحاب السلطة.
ونشرت الوكالة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، هويات وتفاصيل هؤلاء الأفراد، في خطوة تهدف على ما يبدو إلى زرع الخوف في قلوب أولئك الذين قد يفكرون في النزول إلى الشوارع في المستقبل.
وقدمت السلطة القضائية، تحت إشراف المدعي العام في مدينة "ليكك"، مهرداد سلطاني، أدلتها ضد الـ 89 مواطنًا، وشملت هذه الأدلة المزعومة مقاطع فيديو للشرطة وتقارير استخباراتية، بالإضافة إلى اعترافات من المرجح أنها انتُزعت تحت التعذيب، وليست طوعية.
وقد وصف المرشد الإيراني، علي خامنئي، هؤلاء المتظاهرين بـ "البلطجية، والمعادين للثورة، والأعداء"، وذلك في خطابه في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ولم يكتفِ بتبرير ما فعلته السلطات الأمنية، بل أصدر أوامره باستخدام القمع لردع المحتجين، ليبعث برسالة واضحة مفاده أن من يتحدى النظام، سوف يتم سحقه.
وقد اندلعت الاحتجاجات في إيران، خلال نوفمبر 2019، بعد أن ضاعفت الحكومة بشكل غير متوقع أسعار الوقود بين عشية وضحاها، مما أثار غضبًا واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد، وبدأ كاحتجاج اقتصادي تصاعد بسرعة إلى حركة مناهضة للحكومة؛ حيث عبر المتظاهرون في 29 مقاطعة ومئات المدن عن إحباطهم من النظام الإسلامي.
وردت الحكومة بنشر قوات الأمن، التي استخدمت الذخيرة الحية لقمع حشود المتظاهرين، مما أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1500 شخص، وفقًا لوكالة رويترز للأنباء، وانقطاع الإنترنت على مستوى البلاد لمنع العالم من رؤية التفاصيل الكاملة لعمليات القتل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم تسجيل ما لا يقل عن 6000 حالة وفاة "لأسباب غير معروفة" في نوفمبر 2019.
ويثير توقيت الحكم تساؤلات ومنها: لماذا قررت السلطة القضائية فجأة، بعد خمس سنوات من الصمت، معاقبة هؤلاء المواطنين الآن، خاصة وسط شائعات متزايدة حول ارتفاع محتمل لأسعار الوقود في ظل إدارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان؟
ومن المرجح أن الحكومة الإيرانية تسعى لإيصال رسالة مفادها أنه إذا تجرأت على تحدي النظام، فسوف تتعرض للملاحقة، بغض النظر عن الفترة الزمنية التي مرت.
وقد أفادت منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى، بأن استخدام الجمهورية الإسلامية للقوة أثناء تلك الاحتجاجات كان غير مسبوق؛ حيث كانت أعلى حصيلة للقتلى في المناطق المهمشة مثل المدن الفقيرة في طهران وخوزستان وكرمانشاه.
وتتهم جماعات حقوق الإنسان والناشطون منذ فترة طويلة الجمهورية الإسلامية باستخدام الخوف والقمع كأداة للحكم، ومع استمرار ذكرى انقطاع الإنترنت والاعتقالات الجماعية في عام 2019، قد تكون طهران الآن بصدد إثبات أنها لا تتردد في العودة إلى الماضي لمعاقبة أولئك الذين تجرأوا على التمرد ضدها.