سافر المنشد الديني الإيراني ميثم مطيعي، المقرب من المرشد علي خامنئي، إلى تايلاند في محاولة لتصدير أيديولوجية النظام إلى الخارج. وأثارت هذه الرحلة، مثل العديد من المبادرات الأخرى التي قام بها الملالي، الجدل والانتقادات المتجددة لمحاولات نظام طهران في توسيع نفوذه الأيديولوجي.
ويحتفي خامنئي بمطيعي، الذي يبدو أنه حاصل على درجة الدكتوراه ومنشد ديني، باعتباره أحد "معجزات" النظام، و"رمزًا لكيفية اختراق الثورة للعالم الأكاديمي"، كما يقول المرشد الإيراني.
وقد حولته علاقاته الوثيقة بمكتب المرشد الأعلى إلى أحد أبرز الشخصيات التي يستخدمها النظام الإيراني لعرض مواقفه، محليًا ودوليًا.
وفي حين تروج وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني لرحلة مطيعي إلى تايلاند باعتبارها "مهمة ثقافية ودينية"، يرى الكثيرون أنها مثال آخر على استراتيجية النظام الأوسع نطاقًا لتصدير أيديولوجيته تحت ستار التواصل الديني.
وأرسلت إيران باستمرار آلاف الدعاة والعملاء إلى مختلف دول العالم، في جهد مستمر للترويج للمذهب الشيعي، وتعزيز النفوذ السياسي لطهران في الخارج.
يذكر أن المسلمين هم أكبر أقلية في تايلاند، ويشكلون حوالي 12 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 62.5 مليون نسمة، على الرغم من أن واحدا في المائة فقط منهم من المسلمين الشيعة.
وفقًا لـ"إيران واير"، اكتسب مطيعي شهرته في عام 2017، عندما ألقى قصيدة انتقد فيها بشدة الاتفاق النووي وإدارة الرئيس حسن روحاني، خلال صلاة عيد الفطر التي أمّها خامنئي في طهران.
وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة من أنصار روحاني، دافع خامنئي نفسه علناً عن مطيعي، الأمر الذي عزز مكانته داخل النظام السياسي في إيران.
لكن نفوذ مطيعي يمتد إلى ما هو أبعد من حدود إيران. فقد كانت خطاباته تتماشى في كثير من الأحيان مع الرسائل السياسية لطهران، وخاصة في دعم "محور المقاومة"، الشبكة المدعومة من طهران من الميليشيات والجماعات السياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقد أعرب مراراً عن معارضته لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما يعكس مواقف السياسة الخارجية العدوانية للنظام.
وتحت قيادة خامنئي، أصبح المنشدون الدينيون، الذين كانوا يكسبون رزقهم ذات يوم من خلال أداء المراثي على المتوفى في المقابر أو تلاوة القصص المأساوية خلال شهر محرم، شخصيات سياسية رئيسية في الجمهورية الإسلامية.
كما يتمتعون بنفوذ كبير في الدوائر السياسية والمكاتب الحكومية، مستخدمين علاقاتهم الوثيقة بخامنئي لتسريع مختلف الأمور التجارية، غالباً مقابل رسوم.
وخلال مواسم الانتخابات، تشارك جمعيات الإنشاد الديني في الدعاية السياسية نيابة عن المرشحين، وتستلم مبالغ كبيرة. وكلما اقترب المنشد من خامنئي، زادت أتعابه وزاد نفوذه.
ففي عام 2005، أيدت مجموعة من 100 منشد محمود أحمدي نجاد للرئاسة.
إن رحلة مطيعي إلى تايلاند ليست فريدة من نوعها. لطالما استخدمت إيران الدين كأداة لنشر نفوذها على مستوى العالم. ومن أهم مؤسساتها في هذا المسعى "جامعة المصطفى الدولية"، وهي مركز ديني وتعليمي مقره في "قم".
وتأسست "جامعة المصطفى" بأمر من خامنئي في عام 2008، وتعمل كأداة في التوسع الإيديولوجي. وتعمل في أكثر من 60 دولة، وتتلقى تمويلًا كبيرًا من الميزانية الإيرانية، أكثر من 23 مليون دولار في عام 2024 وحده.
وعلى الرغم من ادعائها بأنها مؤسسة أكاديمية، فقد اتُهمت "جامعة المصطفى" بالعمل كقاعدة لقوة فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
ومع ما يقرب من 40 ألف طالب أجنبي، كثير منهم ينحدرون من مناطق مزقتها الصراعات مثل أفغانستان وباكستان، لعبت هذه المؤسسة دورًا رئيسيًا في تجنيد المقاتلين لحروب طهران بالوكالة.
وقد فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على "جامعة المصطفى" لارتباطاتها بالعمليات العسكرية الإيرانية، ومع ذلك فهي تواصل العمل على مستوى العالم، وتجتذب الطلاب من أكثر من 130 دولة، ويعود الكثير منهم إلى ديارهم كأتباع مخلصين للمشروع الأيديولوجي لطهران.
في السنوات الأخيرة، أظهر رجال الدين في إيران، على الرغم من خطابهم المناهض للغرب، تفضيلاً واضحاً للسفر الدولي، غالبًا تحت ستار التواصل الديني.
وقام شخصيات مثل حامد رسائي، رجل الدين المتشدد والنائب المقرب من النظام، ورجل الدين الراحل والمنظر السياسي الشيعي تقي مصباح يزدي برحلات مماثلة إلى أوروبا وحتى الولايات المتحدة.
إن المفارقة في هذه الرحلات الخارجية ليست خافية على الشعب الإيراني المحاصر. ففي حين يواصل النظام ترديد الشعارات المناهضة للغرب وتعزيز السياسات الانعزالية، يسافر مسؤولوه بحرية، وغالباً إلى الدول الغربية تحت دعوى الترويج للمذهب الشيعي.
وفي الوقت نفسه، يتحمل الشعب الإيراني تكاليف هذه البعثات الخارجية، وهو الشعب الذي تضرر بشكل كبير بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، والتي جعلت العديد من أفراده تحت خط الفقر.