تواجه صحيفة "كيهان" الإيرانية المتشددة، والمقربة من المرشد، علي خامنئي، ضغوطًا متزايدة، بعد اتهامها بتأجيج "الاستقطاب" السياسي في المجتمع، وهو اتهام وجهه لها سياسي ورجل دِين بارز مقرب من رئيس البرلمان؛ مما أثار غضب الأصوليين المتشددين بشكل كبير.
وكان رجل الدين المتشدد، علي رضا بناهيان، المقرب من رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، قد دعا في خطاب له، يوم الأربعاء الماضي، البرلمان إلى إصدار قانون يمنع الصحف الممولة من الدولة من "استقطاب" المجتمع الإيراني، وحث على إغلاق هذه المنافذ.
وما يبرز أهمية دعوة بناهيان هو أن صحيفة "كيهان" مدعومة من مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، ويشغل رئيس تحريرها المتشدد، حسين شريعتمداري، منصب ممثل خامنئي؛ لذا فإن انتقاد بناهيان للصحيفة يحمل وزنًا كبيرًا في الأوساط المتشددة.
وكتب أحد أنصار بناهيان على منصة "X" (تويتر سابقًا): "الاستقطاب هو معركتنا في إيران، خلال الحرب الشاملة مع العدو"، مؤكدًا أن بناهيان كان يكرر تحذيرات خامنئي بشأن السياسات المثيرة للانقسام.
ولم يذكر بناهيان، في خطابه، الذي انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، صحيفة "كيهان" المتشددة فقط، بل ذكر أيضًا صحيفتي "اطلاعات" و"جمهوري إسلامي"، وهما صحيفتان محافظتان، وممولتان من مكتب خامنئي، لكنهما معتدلتان نسبيًا في القضايا السياسية الداخلية.
وكانت "كيهان" الصحيفة الوحيدة، التي ردت على خطاب بناهيان، من بين الصحف الثلاث المذكورة، ونظرًا لأن اليوم الذي ألقى فيه بناهيان خطابه، كان عطلة رسمية، فقد احتجت الصحيفة المتشددة، في مقال نشر على موقعها الإلكتروني، كما دافع الأصوليون المتشددون عنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد ظلت صحيفة "كيهان" لعقود تُعرف بأنها الذراع الدعائية لمكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي.
وفي مقال بعنوان "مع مَنْ تقف، سيد بناهيان؟"، اتهمت الصحيفة بناهيان بأنه تم تضليله من قِبل "بعض الأشخاص"، ويكرر "مطالب قديمة لأعداء الثورة المعروفين" ضد "كيهان".
وزعمت "كيهان" أنها "دائمًا في طليعة" ما سمته "جهاد التبيين"- للرد على الانتقادات والهجمات ضد الجمهورية الإسلامية باستخدام "الحرب المركبة" كما أمر خامنئي- وقارنت خطبة بناهيان بـ "الدعاية المماثلة لوسائل الإعلام الأجنبية ضد كيهان".
وتساءلت "كيهان": "هل الدفاع عن الرئيس الراحل، الشهيد (إبراهيم) رئيسي ضد الهجمات الجبانة التي يشنها ما يُسمى بالإصلاحيين يُعتبر استقطابًا؟".
وبينما جددت انتقاداتها لـ "بزشكيان"، لتعيينه إصلاحيين في إدارته، أكدت الصحيفة أن خامنئي حذر مرارًا، خلال الشهرين الماضيين، من توظيف "أشخاص سيئي السمعة" وأولئك "المنفصلين عن الثورة". وادعت "كيهان" أن تضمين بزشكيان لمثل هذه الشخصيات في حكومته يقوّض قيم الجمهورية الإسلامية.
ودافع محمد إيماني، كاتب عمود في "كيهان"، عبر قناة تليغرام، عن الصحيفة ضد ادعاءات بناهيان، حسب قوله؛ حيث قال إنه "أطلق النار على مواطنيه بدلاً من العدو". واتهم أيضًا بناهيان "بتزويد وسائل الإعلام المعارضة بالذخيرة من خلال اتهاماته ضد "كيهان".
ومن جهته، دافع مستشار قاليباف، محمد سعيد أحديان، عن بناهيان في منشور على "تليغرام"، مشيرًا إلى أن بناهيان كان يكرر ببساطة تحذيرات خامنئي بشأن مخاطر "الاستقطاب". كما انتقد أحديان "كيهان"، متهمًا إياها باستهداف شخصيات مثل قاليباف، التي تدعم حكومة بزشكيان، بدلاً من تحدي مواقف خامنئي بشكل مباشر. وأوضح أن معارضة رغبات المرشد الصريحة "مكلفة"، ملمحًا إلى أن "كيهان" تتجنب مواجهة موقف خامنئ،ي بينما تهاجم أولئك الذين يتماهون مع رسالته الأوسع.
وفي افتتاحية بصحيفة "شرق" الإصلاحية، يوم أمس السبت، جادل الكاتب بأن الهجمات على بناهيان وقاليباف ليست بسبب تصريحاتهما السابقة أو الحالية، وأكد أن المتشددين البارزين يشعرون بالإحباط؛ لأنهم لم يعودوا قادرين على التخلص من خصومهم السياسيين بدعم من "مراكز معينة للقوة السياسية". هؤلاء المتشددون، الذين باتوا في موقف ضعيف الآن، يكافحون للحفاظ على نفوذهم، ويعبرون عن غضبهم من المشهد السياسي المتغير.
وأثارت دعوة بناهيان إلى إغلاق الصحف المثيرة للانقسام، إلى جانب السياق الذي قُدمت فيه، غضب المتشددين الأصوليين بشكل كبير؛ حيث أثارت مخاوفهم من احتمال وجود تحالف سياسي بين المحافظين المعتدلين ضدهم، وهو سيناريو كان غير مرجح سابقًا. كما حضر التجمع، الذي أًلقي فيه الخطاب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ورئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، واللذان غادرا إلى مدينة مشهد؛ للمشاركة في مراسم دينية.
هذا وقد أصبح الرئيس الإيراني الجديد، الذي يدعو إلى "الوحدة الوطنية" كحل لتحديات إيران، أكثر تقاربًا مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، خلال الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى تشكيل تحالف استراتيجي للاصطفاف ضد المتشدد الأصولي البارز، والمرشح الرئاسي السابق، سعيد جليلي، وأنصاره في حزب "بيداري".