وفقًا لتقرير صحيفة "واشنطن بوست"، لجأ النظام الإيراني إلى شبكات إجرامية غربية لتنفيذ خطط عنف ضد معارضيه في الولايات المتحدة وأوروبا. وتشمل هذه المؤامرات استخدام عصابات إجرامية بدلاً من الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية، ما يُعد تحذيرًا للمعارضين السياسيين للنظام.
وكتبت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم الخميس 12 سبتمبر (أيلول)، أن السلطات البريطانية اتخذت تدابير مهمة لحماية شبكة "إيران إنترناشيونال"، وهي قناة إخبارية فضائية مقرها لندن ولديها جمهور واسع في إيران، ويصفها نظام الجمهورية الإسلامية بأنها "غير قانونية".
وذكرت "واشنطن بوست"، استنادًا إلى وثائق من أجهزة أمنية ومقابلات مع مسؤولين رفيعي المستوى من أكثر من 12 دولة، أن نظام طهران قام بتجنيد قتلة من عصابات إجرامية لتنفيذ مؤامرات ضد معارضيه في عدة دول.
ومن بين الشخصيات التي استهدفها النظام الإيراني: ضابط إيراني سابق يعيش بهوية مزيفة في ميريلاند، صحافي إيراني أميركي منفي في بروكلين، ناشطة في حقوق المرأة في سويسرا، نشطاء حقوق مجتمع الميم في ألمانيا، وخمسة صحافيين على الأقل من "إيران إنترناشيونال"، إلى جانب معارضين آخرين في 6 دول على الأقل.
من أبرز هذه الحوادث كان الهجوم ضد بوريا زراعتی، الصحافي الإيراني المنفي في لندن ويعمل في "إيران إنترناشيونال"، والذي تعرض لهجوم بسكين أمام منزله في 29 مارس (آذار) الماضي.
ووقع الهجوم في وقت كان يُعتقد أن التهديدات ضد "إيران إنترناشيونال" قد خفت، حيث عادت القناة إلى استوديوهاتها الجديدة في لندن بعد فترة مؤقتة من البث من واشنطن. هذه الاستوديوهات محمية بجدران مقاومة للانفجارات، ونقاط أمنية، وكاميرات مراقبة.
وزراعتی، الذي كان قد أقام في منازل آمنة سابقًا، عاد إلى شقته في مبنى من 4 طوابق. ويُظهر تقرير "واشنطن بوست" أن منفذي الهجوم عليه لم يكن لهم صلة مباشرة بالأجهزة الأمنية الإيرانية، بل تم استخدام شبكات إجرامية من أوروبا الشرقية في هذه العملية.
ونجح هؤلاء في المرور عبر مطار "هيثرو" بلندن دون عراقيل أمنية، وقاموا بتنفيذ الهجوم، ثم عادوا إلى بلادهم.
تفاصيل الهجوم على صحافي "إيران إنترناشيونال"
وتفاصيل الهجوم تشير إلى أن زراعتی، حينما كان يتوجه لسيارته، اقترب منه رجل مضطرب، وطلب منه 3 جنيهات. وبعد ذلك ظهر رجل آخر وأمسك به بينما قام الأول بطعنه بسكين عدة مرات في ساقه.
"واشنطن بوست" أوضحت أن اختيار الطعن في الساق بدلاً من القلب أو الأعضاء الحيوية دفع الشرطة للاعتقاد بأن الهجوم كان بمثابة "تحذير".
في البداية، ظن زراعتی أن الهجوم كان بهدف السرقة، لكنه أدرك فيما بعد أن المهاجمين لم يأخذوا أيًا من أغراضه، بما في ذلك محفظته وساعته وقلمه الفاخر.
كانت أجهزة الأمن الغربية تركز سابقًا على تعقب تحركات عملاء الاستخبارات العسكرية الروسية والحرس الثوري الإيراني. لكنهم يواجهون الآن نمطًا جديدًا من القمع يعتمد على العصابات الإجرامية.
وتوظيف نظام الجمهورية الإسلامية لهذه الشبكات يعكس تحولًا كبيرًا في تكتيكاته لقمع المعارضين والصحافيين.
وأضاف التقرير أن المسؤولين الإيرانيين لجأوا إلى العصابات الإجرامية الدولية نتيجة القيود التي فرضتها الحكومات الغربية على حركات عملائهم، مما قلل من قدرتهم على المناورة.
"القمع العابر للحدود" لدى النظام الإيراني
ووفقاً لمسؤولين أمنيين غربيين، فإن النظام الإيراني هو أحد الأنظمة الأكثر نشاطاً في قمع المعارضين والمنتقدين خارج حدود إيران.
ويشير هذا التكتيك، المعروف باسم "القمع العابر للحدود الوطنية"، إلى قيام النظام باستخدام العنف والترهيب على أراضي بلدان أخرى لإسكات المعارضة.
وفي السنوات الأخيرة، عهدت إيران بعمليات الاغتيال والاختطاف إلى عصابات إجرامية مثل: "ملائكة الجحيم" و"المافيا الروسية"، وغيرهما من الشبكات الإجرامية.
وصرح مسؤول أمني إسرائيلي لـ"إيران إنترناشيونال" في يوليو (تموز) 2022 أن استخدام العصابات الإجرامية هو جزء من أسلوب الحرس الثوري الإيراني "لتنفيذ عمليات إرهابية في بلدان مختلفة، بما في ذلك تركيا".
ويستند التقرير إلى مقابلات مع مسؤولين أمنيين من أكثر من 12 دولة، ووثائق من محاكم جنائية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتظهر الوثائق أنه بالإضافة إلى الهجوم على زراعتي، تآمرت إيران ضد معارضين آخرين، مثل مسيح علي نجاد وفرداد فرحزاد وسيما ثابت، بالإضافة إلى نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم من منتقدي النظام في بلدان مختلفة.
ويشير تقرير "واشنطن بوست" أيضًا إلى مسعود مولوي، المعارض للنظام الإيراني، وسعيد كريميان، مؤسس قناة "جم تي في"، اللذين اغتيلا في إسطنبول.
قلق غربي من استخدام الشبكات الإجرامية
ويشعر المسؤولون الغربيون بالقلق من أنه مع استخدام إيران للشبكات الإجرامية، سيصبح من الصعب تعقب هذه المؤامرات والجرائم ومنعها.
وقد تمكنت هذه الشبكات من التسلل بسهولة إلى المجتمعات الغربية، وتمارس أنشطتها عبر قنوات مشفرة.
ووفقاً لقول ماثيو جاكس، رئيس شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، فإن التكتيكات الجديدة للنظام الإيراني أدت إلى تعقيد تنفيذ الدفاعات الأمنية بشكل كبير؛ خاصة عندما يتمكن المجرمون الذين يتم جلبهم إلى بريطانيا من دول أخرى من تنفيذ مهامهم دون أي مشكلات.
وفي مثال واضح آخر، استخدمت إيران أعضاء من عصابة "ملائكة الجحيم" لاغتيال ضابط سابق بالحرس الثوري في ولاية ميريلاند الأميركية.
وقد حاول هؤلاء الأشخاص، الذين كانوا على صلة بتاجر مخدرات إيراني شهير يدعى "ناجي شريفي زندشتي"، اغتيال هذا الشخص وزوجته.
وأخيراً توقفت هذه المؤامرة بعد اعتقال أعضاء هذه الشبكة في أوروبا.
ويُعرف زندشتي، المقيم في إيران، بأنه أحد الشخصيات الرئيسية في أنشطة النظام الإيراني عبر الحدود. وهو مجرم مشهور في مجال تهريب المخدرات، وقد قام في نفس الوقت بمهام مهمة لوزارة الاستخبارات الإيرانية.
وقد تم إدراج اسم شريفي زندشتي، إلى جانب مجموعة من المجرمين الآخرين، في قائمة العقوبات الخاصة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
العصابات المحلية
إن الجهود التي تبذلها إيران لإرهاب وقمع منتقديها لا تقتصر على أوروبا والولايات المتحدة. وقد استخدموا الجماعات الإجرامية المحلية في بلدان مختلفة، بما في ذلك باكستان وتركيا، لاختطاف واغتيال الناشطين.
على سبيل المثال، تم اختطاف "حبيب كعب إسيود"، الناشط السياسي المقيم بالسويد، في تركيا ونقله إلى إيران. حيث تم تعذيبه وإعدامه في النهاية.
وتتزايد هذه الجهود الرامية إلى إسكات المنتقدين بمعدل غير مسبوق.
ووفقا للإحصاءات التي نشرها معهد واشنطن، تم خلال السنوات الخمس الماضية ربط 88 حالة اغتيالات ومؤامرات عنيفة بالنظام الإيراني، وهو ما يزيد عن العدد الإجمالي لمثل هذه الأعمال في العقود الأربعة التي تلت ثورة 1979.
لم تكن هذه المؤامرات ناجحة دائما
في بعض الحالات، تم القبض على المجرمين الذين تم تعيينهم لتنفيذ مهامهم بسبب أخطاء أو نقص المهارات، لكن إيران تواصل استخدام هذا النموذج لأن فوائده، بما في ذلك الإخفاء وسهولة الوصول إلى المجرمين الدوليين، تفوق مخاطره على ما يبدو.
وفي هذا الصدد، أصدرت منظمة العدالة من أجل إيران بيانا في مارس (آذار) 2024، أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء الزيادة الكبيرة في الضغط على الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني الإيراني برمته في المنفى، وطالبت المجتمع الدولي، وخاصة الحكومات الأوروبية، بحماية المجتمع المدني الإيراني في الخارج .
وحذرت هذه المنظمة الحقوقية، في بيان لها، المجتمع الدولي، وخاصة الحكومات الأوروبية، من عواقب تهديدات إيران عبر الحدود ضد حرية التعبير وأنشطة المجتمع المدني الإيراني.
وأخيرا، يُظهر استخدام إيران للشبكات الإجرامية لقمع المعارضين والمنتقدين تطورا خطيرا ومثيرا للقلق و يشكل تحديا للأمن الدولي ويقلل من مساحة اللجوء للاجئين هربا من القمع.